
فتحت الباب وأنا أدفعه بقوة وصدى صوت الأحذية يدوي في صدر المكان .. تصدر طقطقة يتعالى صداها هنا وهناك وكل في عجلة من أمره ..
أخرجت البطاقة لأحصل على ملف علاج صغيري الذي أحضرته لأخذ آخر جرعة تطعيم له .. حملت الملف وحملته لأسرع الخطى وسط ضجيج المكان وأنفاس المرضى ..
المكان مزدحم بصورة غريبة ، لا أعرف سببا لهذه الزحمة غير المبررة .. أهو هذا الفيروس الذي فاق صداه كل الأمراض .. يا لهذا الفيروس اللعين الذي أطاح بجدران الشجاعة وأرعب القلوب وجعلها تترقب وترتعد كلما أصاب قريب منها سعال أو حرارة !!
h1n1
وصلت للممرضة التي رحبت بصغيري وسجلت ما تحتاج ثم طلبت مني الذهاب للطبيبة لفحصه والاطمئنان عليه قبل الجرعة .. خرجت من عندها ودخلت تتسارع خطواتي وكأني أبحث عن مخرج آخر يقذفني خارج هذا المكان لأبتعد عن هذه الزحمة ..
الممرضة : تطعيم ؟ اجلسي هنا بمجرد خروج المريضة تدخلي ..
جلست على كرسي قرب الباب وأجلست صغيري في حضني فقابلتني امرأة على الكرسي المقابل لي تحمل صغيرا لا أعرف جنسه فهو مغطى بأكمله ولكني قدرت عمره بشهرين ، يفصل بيني وهي باب غرفة الطبيبة .. ابتسمت وقالت :
تأخروا كثيرا .. لقد طال جلوسي ..
وكأنها تلمح أنها جاءت لنفس سببي ..
الممرضة : أبناء المرأة في الداخل حرارتهم مرتفعة منذ ثلاثة أيام ( 39)˚ يبدو أنهم يعانون من الانفلونزا .. ستكتب لهم الطبيبة لأجل إجراء تحاليل إثبات الحالة ..
خيمت الأفكار في رأسي ..
يا إلهي احفظ صغيري وهؤلاء الصغار كلهم .. ماذا أفعل ؟ أأحمل الكرسي من على هذا الباب وأتجه للجهة الأخرى ؟ أأخفي وجه صغيري في عباءتي وأغطيه بأكمله ؟ يا الله ما هذه المشاعر التي تمتلئ في دواخلي ؟ أين ثقتي بالله ؟ أين ؟
يبدو أن الخوف يدب في أركان الكل والسبب الخنازير .. ليتهم لم يخبرونا أن هذه الانفلونزا تسمى بهم فكرهنا لهم زرع في أوصالنا الخوف حتى باتت مواقفنا تثير الضحك والسبب هذا الوباء ونسينا أن الله ما أنزل من داء إلا وله دواء وأن هناك أمراضا أشد فتكا وأخطر من هذه الانفلونزا ، إذن علام الخوف وهذا الجبن الذي يعترينا ..
تذكرت ابني الذي في الصف الثاني حين رفض الذهاب للمدرسة بعدم شراء المعقم ، فابتسم أخوه حينها وقال بأن طلاب فصلهم قرروا إحضار المعقمات والكمامات من الغد ، فسألته : لماذا ؟ أخائفون هم ؟
فرد علي : يبدو ذلك ، فقلت له : لا بأس فالحذر واجب ولكن يتوكل الانسان على الله ويستعين به .. ولم أعلم بأن هناك مساحة خوف في نفسي حتى دخلت العيادة مع صغيري لتدب في هذه المخاوف ..
يا الله كيف استطاعوا أن يرعبونا ؟ كيف ؟
كيف غرسوا فينا من اللاشيء شيء؟
الحركة ما زالت على حالها والنساء يدخلن ويخرجن وأنا في فضاء الغرفة أرصد حركة الفيروس الذي لا أرى له وجودا يتطاير في أركانها ، أبحث عنه وكأني أبحث عن شيء من العدم .. لا أرى فيما أبحث سوى فيروس الخوف الذي يحتويني ويزيد من وحشتي .. تحولت الغرفة لحظتها بسكون عقلي الموحش إلى أشعة بيضاء متراقصة من أضوائها القوية تلتف حول عيناي .. تطبق على أنفاسي فلا أرى مع هذه الأشعة البيضاء إلى اللون الأسود يتمايل هنا وهناك يرحل بي من مكاني وأنا أغط في بحر لا أستطيع ايقاف هدير موجه حتى أذنت لي الممرضة بالدخول فحملت صغيري مسرعة لأدخل الغرفة الأخرى التي ربما تكون مليئة أكثر من الثانية بالفيروسات دون علم مني حينها فقد كنت أبحث عن مرفأ أمان ينتشلني وصغيري .. هذا أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، فمن يخبرني بمعلومة مهمة كهذه في تلك الثوان الفارغة التي أقطعها ؟..
خرجت لأمر على النسوة وهن يتجاذبن أطراف الحديث يشتكين مما اعتراهم من أوجاع وآلام رافضة انزال صغيري ليمشي حتى لا يثني خطواتي السريعة للخروج بعد الانتهاء من التطعيم ..
أنهيت عملي وأسرعت كعادتي فأنا أعيش في عصر السرعة هذا الوقت لأحمل خطواتي وأركب السيارة وأتذكر ما مر فأضحك وننطلق ..