الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

السور...







   سار كعادته في شوارع مدينته الصغيرة .. ثيابه الرثة تتبلل إثر موجة الحر الصاخبة لكنه اعتادها رغم سمرة وجهه وأنفاسه التي توحي بحرق الشمس وتضيق حنقا به .. كان عليه أن يقوم بواجبه المكلف به على أكمل وجه كما أوصته والدته .. ها هو يتعلق بنوافذ السيارات لكل من مر عليه في شارع السوق الممتلئ بزحمة الناس لتوافدهم لشراء مستلزمات الدراسة لأبنائهم وكلهم حنق على الأسعار وارتفاعها وكثرة مغالاة التجار وجشعهم .. لم يكن ينقصهم سوى هذا الصغير ماجد ..
 
مد يده : عفوا سيدي أمي طريحة الفراش ، أحتاج مالا لأعالجها ..

 
أغلق الكثير في وجهه شبابيكهم ونهره آخرون وأخرج له البعض القليل على مضض .. سار متابعا دربه الذي لا يعرف له نهاية ، تأمل في سور طويل ونظر بعينيه الحزينين نحوه وأخذ يقرأ بصعوبة بعض الكلمات التي ملأت الحائط ...

 
الأم مدرسة إذا أعدتها .. أعددت شعبا طيب الأعراق

 
هل تكفيني مدرسة أمي التي أنا فيها الآن ؟ !!
 

وصل إلى باب حديدي ليقف أمامه .. تعلق وسط حديده الساخن من شدة لهيب الجو .. وارتفع برجله إلى أعلى السور .. تسلقه ووضع راحتي يده بعد أن مسح الغبار عنه ثم وضع وجهه بين راحتيه ملقيا رأسه وكأنه يستريح .. تأمل طويلا داخلها ومرت صور يومه الأول فيها حين كان صغيرا وهو يقف في طابوها ويردد السلام الوطني .. حدق في صمتها طويلا وهو يتلمس صوتا يدق أوتار قلبه ويزلزل أركانه ويهزه شوقا لصفه ..
 

غدا تنفضين عن سورك الغبار ويعود الضجيج إليك
 
وينتهي صمتك المفجع ..
 

ابتسم في أعماق قلبه



وفجأة انتفض خائفا وسقط من على السور إثر صوت الحارس الصارخ في وجهه :




ماذا تفعل يا فتى ؟ هيا ابتعد من هنا .. ابتعد ..

 
صراخ الرجل بصوته الأجش أسقطه أسفل الباب وكم من الأسئلة تتردد في أعماقه :


 
لم حرمت أن أكون بداخلك ؟ ألأن الفقر أرق أمي فعجزت عن توفير ما يسد حاجتي !!


 
شعر كأنه سقط في حفره عميقة وآلمه طوب أرضية الباب بشدة ..





نفض ماجد ملابسه التي ازدادت اتساخا أكثر عما كانت به فما علق بها من الغبار اختلط بعرقه .. وتحسس جسده وأطراف ذراعه وقد جرحت .. هز قميصه ونفضه ليزيح التراب العالق به وسار وهو يتأمل الحارس بصمت كالجواب الذي ردت به أسوار المدرسة عليه ..




تحدرت دمعة ساخنة على وجنتيه هو يرى كثافة الأسر التي تدخل وتخرج من المكتبة استعدادا للمدرسة ..

- ويحكم ؟؟ لم لا تفكرون بمن هم أمثالي !!

- لم أولادكم دوني يلبسون الجديد وأنا ألبس بواقيكم ؟ ..





سار ماجد في دربه بعد أن رفس برجله بعض الحصى الصغيرة الملقاة ثم ركض متذكرا والدته التي تأخر عليها بسبب ما مر في رأسه من أمور يحاول تناسيها ..




دخل سكة ضيقة وغاب أثره في أعماقها التي تسحبه لبيته وسط تعرجاتها وحفرها الممتلئة بالطين وظلمة امتدادها الضيق وكأنها تعصره فيها ..

هناك 10 تعليقات:

عبيد الكعبي يقول...

بصراحة لا ادري بماذا اعلق ..
ولكن فعلا الام مدرسة وأجدادنا في الماضي تخرجوا من مدرسة الأم فقط ولم تكن للمدارس صوت في تلك الأوقات ..

ولكن لو تحدثنا عن مشكلة الفقر فكيف يُمكن أن نجد لها الحل ؟؟

اعتقد اننا بحاجة لجمعية خيرية تهتم بكل طفل وطفلة يصعب عليهم الدخول للمدارس لمسـاعدتهم والوقوف معهم خلال فترتهم الدراسية بالمجان أو بمقابل مادي بسيط ..

ولنتذكر الحديث الشريف بما معناه من فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كرب الدنيا ...

والله المستعان ..

رذاذ المطر يقول...

فعلا أخي عبيد

بارك الله فيك وسدد خطاك
وليت لفئة من هذه الفئات
من يخفف عنها بعض معاناتها


يسر الله لك

محمد الدهيمي يقول...

ما شاء الله عليكي
متميزة :)

رذاذ المطر يقول...

أخي الفاضل

بارك الله فيك وحفظك

منتديات مكتوب السعوديه يقول...

قلمك رائع .. شكرا لك ..واعدك بالزيارة

رذاذ المطر يقول...

شاكرة لكم الزيارة
بارك الله فيكم

nova يقول...

تقبلي مروري واتنمى ان تشرفيني في مدونتي وتشرفيني بالتعليق عليها اختك نوفا

رذاذ المطر يقول...

أختي الحبيبة نوفا

جزاك الله خيرا وبارك فيك

كلمات من نور يقول...

- ويحكم ؟؟ لم لا تفكرون بمن هم أمثالي !!

- لم أولادكم دوني يلبسون الجديد وأنا ألبس بواقيكم ؟ ..

---------------------
مزقت قلبي هذه الكلمات يا خولة

كثيرون هم من يقولوا ويحكم ولكن قليل من يسمع ويجيب

ربي يرقق قلوبنا ويقدرنا على فعل الخير


تحياتي

رذاذ المطر يقول...

بارك الله فيك وفي مرورك

لو كان الكل يسمع يا حبيبة
لما وجد من يعانون

يسر الله لك